جامعة محمد بن عبد الله شعبة اللغة العربية وآدابها
كلية الآداب والعلوم الإنسانية تخصص: لسانيات
سايس – فاس
ماستر اللغة العربية والنظريات اللسانية
مادة: النظـــــــــم.
عنوان العرض
إعداد كل من الطلبة: الأستاذ المشرف على المادة:
- سهام عبد الكبـيـــــــر.
- يونس بن عــــــــلال. د.أحمد العبدلاوي العلوي.
- إدريس الوالي العلمي.
الموسم الدراسي:
2009 – 2010.
1- تمهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيد.
2- تعريف الفصاحة والبلاغة لغـــــــــــــــــة واصطلاحـــــــــــا.
3- أوجه الائتلاف والاختلاف بين الفصاحـــــــة البلاغـــــــــــــة.
4- أهمية النظــــــــــــــــم في الفصاحــــــــــة والبلاغــــــــــــــة.
5- خطاطــــــــــــــــــــــــــــــــة توضيحيــــــــــــــــــــــــــــــــة.
6- قوة فصاحـــــــــة وبلاغـــــــة القرآن في التأثير على النفـــس.
7- النظرية الجرجانية وعمق بلاغتها في الدلالة الإعجازية للقرآن.
8- شروط وجوب الفصاحـــــــــــــــة ومايجـــــب تجنبـــــه فيها.
8- خلاصـــــــــــــــــــــــــــــــة.
1- دلائل الإعجاز" عبد القاهر الجرجاني ":- تحقيق محمد رشيد رضا.
- تحقيق محمد محمود شاكر.
2- سر الفصاحة " ابن سنان الخفاجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي ".
3- بلاغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة العطف في القرآن " عفت الشرقاوي".
4- أساس البلاغــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة " الزمخشري ".
5- البلاغــــــــــــــــــــــــــــتـة العربية وعلم المعاني "عد العزيز عثيق".
6- المثــــــــــــــــــــــــــــــــل السائر " أبو الفتح ضياء الدين الموصلي".
7- في بلاغــــــــــــــــــــــــــــــــــة النظم العربي " عبدالعزيز العطي".
8- عبد القاهر الجرجانـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي " أحمد أحمد بدوي.
www.islamacademy.net
بسم الله الرحمن الرحيم،
سبحان الذي تخشعت من كلامه الجبال وتصدعت اندهشت الجن وتعجبت واهتزت القلوب واطمأنت وسالت الدموع وانقشعت وألهمت الألسنة البلاغة وأفصحت وارتقت الأنفس وتعالت والصلاة والسلام على أشرف الخلق وطب القلوب شافي الأسقام والمنجي من الكروب النبي المحبوب.
بادئ ذي بدء، تحية علمية مفادها الاحترام والتقدير لأستادنا الفاضل أحمد العبدلاوي العلوي وإلى جميع الطلبة والطالبات من سلك ماستر اللغة العربية والنظريات اللسانية، كما نرجوا من خلال عرضنا المتواضع هذا من أن تتم الفائدة المتوخاة فيما بيننا حتى يثرى النقاش وينبذ الانكماش وتروى الكلمات العطاش في حضرة موضوع الإعجاز بكل قابلية وانتعاش.
أما بعد،
هانحن نقف وقفة تأمل بمد البصراللامتناهي أمام عمودين من أصلب أعمدة التواصل اللغوي الإنساني، باعتبارهما ذلك الأساس الذي تبنى عليه جسور اللغة العربية وفق هندسة تأليفية تشد رباط الأمان في إيفاء وإيصال المقصود النابع من اللسان (اللفظ) والمستقر في الأذهان (المعنى) وفق حميمية تمازج وتناغم فني إيحائي.
فحيهلا بموضع كثر فيه الكلام بين شداق وحداق لما لا وهو موضوع من المواضيع الوازنة لكونها شرف العرب في كشف ضيق الغمة والتعريف بقوة وموروث لغة هذه الأمة الفصاحة والبلاغة، المفتاحان الذهبيان لدخول مملكة علم الكلام في فهم دلائل إعجاز القرآن وغيره.
فكما نعلم أن كلا من اللساني وعالم الأنتربولوجيا والفيلسوف والمنطقي والبلاغي والفقيه اللغوي والنحوي والشاعر وغيرهم يتلهف رعشة شوق للمزيد من اكتشاف أسرار بحور اللغة العربية راكبا لزورق الفصاحة ومادا لأشرعة البلاغة فوق مياه معان مترابطة لدرجة الذوبان والصفاء والانقشاع وفق نظم كلامي عجيب مشكلا جسر حبل سري موصل للعملية التواصلية الحقة في اللغة. فما هي الفصاحة والبلاغة إذن؟
تعريف الفصاحة والبلاغة:
الفصاخة لغة:الظهور والبيان، ومنها نقول :" فصح اللبن، إذا انجلت رغوته وبان زبده " وقول الشاعر أيضا : " وتخت الرغوة اللبن الفصيح " والكتاب العزيز، قال الله تعالى: "وأخي هارون هو أفصح مني لسانا " أي أوضح وأبين. وقد علق الجاحظ على هذه الآية بأن موسى عليه السلام قال ذلك " رغبة في غاية الإفصاح بالحجة، والمبالغة في وضوح الدلالة لتكون الأعناق إليه أميل، والعقول عنه أفهم، والنفوس إليه أسرع".
وهو ما يوضّح جلياً أن مفهوم الفصاحة "يعني القدرة على الأداء الصوتي الصحيح الذي يتسم(...) بوضوح النطق من ناحية وطلاقة اللسان من جهة أخرى، في مقابل مفهوم العيّ، بمعنى عدم القدرة على الأداء الصوتي الصحيح أو ظهور الانحرافات الصوتية".
وكذلك السيوطي حين تطرق إلى معرفة الفصيح، وأشار إلى أنه يتعلق بجانبين: جانب اللفظ وجانب المتكلم، لكن اللفظ أخص من المتكلم " لأن العربي الفصيح قد يتكلم بلفظة لا تُعَدُّ فصيحة".
أما الفصاحة اصطلاحا: عبارة عن الألفاظ الظاهرة المألوفة الاستعمال عند العرب، وتكون وصفا للكلمة والكلام والمتكلم، فيقال: كلمة فصيحة، وكلام فصيح، ومتكلم فصيح. ومعناه كذلك وصول الكلام غايته من الوضوح والبيان أي يكون الكلام منضبطا لغويا ونحويا مطابقا لجميع القواعد المعروفة.
تعريف البلاغة :
البلاغة لغة: معناها الوصول والانتهاء، قال تعالى في سورة يوسف الآية:22 : " ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما " أي : وصل.
البلاغة اصطلاحا: هي التعبير عن المعنى الجليل تعبيرا يثير قي نفس القارئ والسامع مشاعر وخواطر تؤثرقيه ، وتحمل إليه المتعة بما في التعبير من جمال الآداب مع ملاءمة كل كلام للموطن الذي يقال فيه والأشخاص الذي يوجه إليهم ، أي مراعاة مقتضى الحال مثلا لمقام هول الكلام ولمقام جد الكلام ولكل مقام مقال .
وظيفة البلاغة: تزود القارئ بمعرفة الوسائل التي يستعين بها الأديب في التعبير وتعريفه الأسلوب الأدبي، وتهيئ له أن يستوعب الفروق بينه وبين غيره من أساليب الكلام العادي، كما تقدم له دراسة استخدام الألفاظ، وبناء الجملة والعبارة والصورة وتوضح له أثر ذلك في نجاح العمل الأدبي ، أو قصوره في أن ينقل إلى السامع ا و القارئ ما أراد الأديب أن ينقله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى الدلالي الحرفي لكلمة فصاحة: الفاء: فسحة ،الصاد: صوت، والألف: ألفة، والحاء: حكمة ، والتاء: ترابط. والمعنى الجامع هو:" فسحة الصوت وألفة الترابط الحكيم ".
المعنى الدلالي الحرفي لكلمة بلاغة: هي لفظة خماسية بها تشد عرى الوضوح وسلامة النطق، وهي كالآتي: الباء: بيان، واللام: لمحة، والألف: أنس، والغاء: غلة، والتاء: تمرة. والمعنى الجامع هو:" تمرة غلة ولمحة أنس وبيان ".
أوجه الاختلاف والائتلاف بين الفصاحة والبلاغة :
تعددت الآراء واختلف تجاه المفهومين، فالعديد من العلماء أجمعوا عن معنى البلاغة، لكنهم اختلفوا في معنى الفصاحة، واختلافهم راجع إلى اللفظ والمعنى.
فمنهم من يقول أن الفصاحة مختصة باللفظ، والبلاغة مختصة بالمعنى أي أن اللفظ يكون فصيحا ولايقال عنه بليغا، إلا إذا كان في جملة تبلغ المعنى المنشود فيصبح بليغا.
فجعلوا الفرق بينهما أي الفصاحة والبلاغة، أنه يقال للفظة فصيحة ولا يقال لها بليغة، بينما الكلام عندهم فصيح وبليغ ومن بين هؤلاء البلاغيين، ابن سنان الخفاجي في كتابه " سر البلاغة "حيث يقول: " الفصاحة مقصورة علي وصف الألفاظ والبلاغة لاتكون إلا وصفا للألفاظ مع المعاني فلا يقال عن كل كلمة واحدة لاتدل على معنى وإن قيل فيها فصيحة وكل كلام بليغ فصيح وليس كل فصيح بليغا".1
ويقول في مكان آخر من الكتاب: " الفصاحة نعت الألفاظ إذا وجدت على شروط عدة ومتى تكاملت تلك الشروط فلا مزيد على فصاحة تلك الألفاظ ".
ويقسم ابن خفاجة الفصاحي إلى قسمين قسم يرجع اللفظ وحده، وقسم يعود إلى التأليف، فإن ابن الأثيريرى"أن الكلام الفصيح هو الظاهر البين ، وأعني بالظاهر البين أن تكون ألفاظه مفهومة لاتحتاج في فهمها إلى استخراج من كتاب لغة ، وإنما كانت بهذه الصفة ، لأنها تكون مألوفة الاستعمال بين أرباب النظم ........إلى قوله ولكن أرباب اللغة غربلوا اللغة باعتبارالألفاظ وسبروا وقسموا، فاختاروا الحسن من الحسن من الألفاظ بسبب استعمالها دون غيرها، فالفصيح إذا من الألفاظ هو الحسن". انظر الخطاطة.
الفصاحة البلاغة
اللفــــــظ الكـــــــــلام المعنـــــى
فعبد القاهر الجرجاني يقف طرفي نقيض معهما، فقد كان بفكره الكلي يجعل مدار الفصاحة على النظم الذي هو تلاؤم اللفظة مع أخواتها السابقة أو اللاحقة وممن أخذ برأي الجرجاني يحيى بن حمزة العلوي في كتاب " الطراز " حيث قال :" اعلم أن الألفاظ إذا كانت مركبة لإفادة المعنى فإنها يحصل لها بمزية التركيب حظ لم يكن حاصلا مع الأفراد".
وهذا ما أكده الجرجاني في كتابه دلائل الإعجازحيث يقول:" فقد اتضح إذن اتضاحا لايدع للشك مجالا أن الألفاظ لاتتفاضل من حيث هي ألفاظ مجردة ، ولامن حيث هي كلم مفردة، وأن الألفظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها أو ما أشبه ذلك ممالا تعلق له بصريح اللفظ ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع ثم تراها بعينيها تنقل عليك وتوحشك في موضع آخر كلفظ "الأخدع " في بيت الحماسة للشاعر عبد اللطيف بن طفيل بن الحارث:
تلفت نحو الحي حتى وجدتني وجعت من الإصغاء ليتا وأخدعا1
وبيت النحتري:
وإني وإن بلغتني شرف الغنى وأعتقت من رق المطامع أخدعي2
انظر الخطاطة التوضحية:
النظـــــــــــم
الحرف كلمة جملة
تقارب المخارج تباعد المخارج تكرار مطابقة القياس عدم الإطناب في طول العبارات
هخهخ لفظة مستحسنة وقبر حرب بمكان قفر "الحمد لله العلي الآجلل
تكاكأتم وليس قرن قبر حرب قبر.3
السماع / الكتابة
السياق
الفصاحة البلاغة
نظم
سلامة النطق التوازي الصوتي النحو دقة المعنى عدم الإفراط في تكثيف
الحمولة البلاغية ( التصنع) الألفاظ مغلقة على معانيها حتى
يكون الإعراب مفتاحها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الليت : صفحة العنق . الأخدعان : عرقان في جانبي العنق قد خفيا وبطنا.
(2) دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ص: 47.
(3) عبد القاهر الجرجاني لأحمد أحمد بدوي ص:103.
إضافة: يقول : أبو القاسم الآمدي وهو مؤيد للجرجاني بقوله: الفصاحة صنو البلاغة، فالفصاحة وجه في وجوه البلاغة ، كما عرفها بأنها: " إصابة المعنى وإدراك الغرض بألفاظ سهلة و كافية لاتبلغ الهدر الزائد ولا تنقص نقصا يحول دون الغاية....".
كما بين الجرجاني أيضا أن الفصاحة لا تقتصر على اللفظ بل هي في المعنى أيضا وهذا هو الأهم حيث يقول : " وهل تجد أحدا يقول: "هذه اللفظة فصيحة إلاوهو يعتبر مكانها في النظم وحسن ملاءمة معانها لمعنى جاراتها وفضل مؤنستها لأخوانها".1 .
مثــــــــال
الفصاحة الفصاحة
اللفظ العنى الألـفــــــــــــاظ المعنى
محمد
تجري
التمازج والمؤانسة الشمس وجهه منير و مشرق
في
وجهه
التركيبة الكلامية
ثم يضيف قائلا : "وهل قالوا لفظة متمكنة ومقبولة وفي خلافها : قلقة ونابية ومستكرهة إلا وغرضهم أن يعبروا بالتمكن عن حسن الاتفاق بين هذه وتلك من جهة معناهما وبالقلق والنبو عن سوء التلاؤم أن الأولى لم تلق بالثانية في معناها وأن السابقة لم تصلح أن تكون لفقا للتالية في مؤداها".2
لكن ماأزال هذا اللبس ووضح الغاية هو التلاؤم الناتج عن النظم البديع الذي جعل اللفظتين تؤديان دورهما وفق موقع كل واحدة منهما في الآية فصارتا أو انتقلتا من ذلك اللفظ المستكره إلى لفظ مستحسن مدهش: أدهش السامع وحلق بخياله وفق تماسك ومؤانسة إلى معنى بليغ يخدم المراد.
ومثال ذلك فلو أخذنا لفظة " كلب" بمفردها لكان معناها قدحيا لمن وصف أو اجتمع أو اقرن اسمه باسمها ، لكن السياق القرآني جلها وعظمها في سورة الكهف وفق سياق يخدم المعنى بإمتياز وذلك في قوله تعالى : " يقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة ثامنهم كلبهم " ، كما وردت اللفظة نفسها أي لفظة " كلب " بصورة مشينة لكنها تخدم المعنى وفق جاراتها من الألفاظ بأسلوب أصيل وذلك مصداقا لقوله تعالى في سورة الأعراف: "مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ".3
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني تعليق محمد محمود شاكر ص:44.
(2) المرجع السابق نفسه ص: 45.
(3) سورة الأعراف الآية: 176.
أهمية النظم في الفصاحة والبلاغة:
تعريف النظم لغة : يرادف التأليف، نقول نظمت اللؤلؤ أي جمعته في خيط ، والتنظيم مثله، ومنه نظمت الشعر، ويسمى الشاعر ناظما لنظمه للكلمات. ونقول نظمت المرأة شعر ابنتها والنظم هو إقران الشئ بشيء بآخر وضم بعضة إلى بعض.
تعريف النظم اصطلاحا: هو تنسيق دلالة الألفاظ وتلاقي معانيها بما تقوم عليه معاني النحو المتخيرة والموضوعة في أماكنها على الوجه الذي يقتضيه العقل.
إن النظم أساسي في ربط الفصاحة بالبلاغة وفق سياق يوحده المعنى، حتى لا تقتصر الفصاحة عاى المعنى فقط، والحديث عن نظم الكلام وتأليفه أو ترتيب أجزائه لم يظفر بعناية الباحثين إلا في أوائل العصر العباسي حينما كثر التاليف حول القرآن الكريم والأدب العربي عامة، فبالرغم من أن العصر الجاهلي اشتهر أهله بالفصاحة وذلاقة اللسان وبلغت لغتهم من الرقي والحضارة والغنى مبلغا عظيما حتى كانت جديرة بأن يختارها المولى عز وجل، لكن لم ترد عندهم هذه الفنية على الشكل العلمي المحدد كما ألفناها مع السكاكي ومن لف لفه، لكن وردت عندهم أحكام نقدية تركزت في جمل صارت على كافة الألسنة، كقولهم: " أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب، وزهير إذا رغب ، والنابغة إذا رهب، والأعشىإذا طرب...." ، ليأتي القرآن ببلاغته نظمه وفصاحته معجزا لهم ومحيرا لعقولهم.
خطاطة توضيحية لأهمية وقع النظم على اللفظ والمعنى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعريف مفهوم النظم داخل البيئة الطبيعية: معناه أنه لو قدر للطير وهي تبني عشها وللعنكبوت وهي تنسج شعها وللنحل وهي تبني خليتها لقلنا أنهم يمارسون نشاطا إبداعيا منتظما وفق تاليف وهندسة محكمة غرضها و معناها الاستمرار والبقاء.
اللفظ كسمكة إذا أخرجت من بحر المعنى ماتت.
تطبيــــــــــــــق :
1- خط الكاتب بيده رسالة.
2- الرسالة خطت بيد الكاتب.
3- خط الكاتب رسالة بأنامل ذهبية.
4- سال شعور الكاتب حبرا على ورقة بيضاء، تتوهج شرارا لذلك البعيد، تمهله صبرا وتقدم له عذرا
5- لسعني القلم لسعة ثم سقط على الورقة البيضاء ملتويا متخذا هيئة راكع و ساجد تجلله رهبة صمت الكاتب.
6- استيقظ القمر في سكون الليل ليداعب ( الذهبية ) أسرار النجوم.
تحليل الجمل:
المثال الأول هو عبارة عن جملة مفيدة تخدم المعنى وهو كتابة الرسالة فالسامع لهذا المثال يعتبره شيئا مألوفا لايثير إحساسا بالدهشة والإعجاب لديه كما أن تغيير مواقع الألفاظ كما في المثال الثاني قد يضعف أويزيد للمعنى قوة وذلك حسب اللفظة ومدى تأثيرها في شعور المتلقي .
أما في المثال الثالث فيشير المعنى إلى كون هذا الكاتب بارعا في الخط أوأنه يمتلك ملكة تعبير قوية حيث أخفيت الأداة وهي القلم ونابت عنها الأنامل كما هو الشأن في قوله تعالى:" واسأل القرية..." والتقدير هو "أهل القرية"، فالقارئ للمثال الثالث سيتحرك بداخله إحساس بمدى قدرة هذا الكاتب وبراعته انطلاقا من توظيف اللفظتين وجارتيها، "أنامل" و " ذهبية " وفق نظم حسن الملاءمة بين هاتين اللفظتين وجارتيهما ، أما المثال الرابع فهو عبارات منسوجة وفق نظم يخدم قصدية معينة فالسامع أو القارئ لهذه العبارات إذا لم يكن على دراية بعلم البيان سيغيب عنه تصور ما يجول في الأذهان من معنى ، فالألفاظ هنا وظفت بطريقة فنية ذات ذوق إبداعي يبث شعورا في المتلقي من خلال حسن وملائمة توظيف الألفاظ في مكانها المناسب "خيرا، شررا، صبرا، عذرا " فلو عريت هذه الألفاظ من السياق ما كان لها معنى بليغا و فصيحا ، فالشعور لايسيل، وإنما يفيض وكأن الكاتب يكتب هنا بمداد قلبه لابحبر القلم ، و الشرر يكون لونه أحمر أي يكتب بحرقة جعلت عود ثقابه قلمه يضرم نارا على الورقة تقديما لعذر التأخر عن الآخروبعدم نسيانه ، أما المثال الخامس فالمعنى الإجمالي هنا هو تمرد القلم على صاحبه الذي شلت يداه ولم يعد يطيق الكتابة، حيث صور لنا المخبرمدى معاناة القلم من سقوط والتواء وتوسل من أجل غرض إعادة الاعتبار للكتابة، لذا يجب تجنب التعقيد المعنوي في الفصاحة. أما المثال السادس فلفظ الذهبية عرقل وخلخل الربط التآلفي الدال على المعنى.
وقد استكره ابن الآثير طول العبارات بقوله: " ألا ترى أن الفصل الأول ثماني لفظات ، والثاني والثالث تسع تسع " أي يريد الإشارة أن الحرص على التصاعد الكمي في الشجع قد يؤدي إلى حذف ما يقتضيه المعنى، وهذا يعني وهو الأهم أن المعنى أصبح تابعا لامتبوعا وهذا هو التكلف بعينه ".1
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المثل السائر لأبن الآثير .ص: 96.
ومن بين الأمور المتكلف فيها قول بديع الزمان الهمدني مفضلا العرب على العجم بقوله: " العرب أوفى وأوفر وأوقى وأوقر وأنكى وأنكر واعلى وأعلم وأحلى وأحلم وأقوى وأوقر وأبلى وأبلغ وأشجى وأشجع وأسمى وأسمح وأعطى وأعطف وأحصى وأحصف " لكن تبقى القاعدة ، خير الكلام ما قل ودل وأنفع، فكلما طال الكلام كثر اللغط ومل السامع عذوبة اللفظ وغاب عنه المعنى.
قوة فصاحة وبلاغة القرآن الكريم في التأثير على الأنفس
إن الفصاحة والبلاغة في القرآن لمن الروابط المسبوكة في تحدي الجن والأنس للإتيان بمثل رقي هذا الكلام مصداقا لقوله تعالى: " قل لئن اجتمعت الإنس والجن علي أن ياتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله..."1. وقوله تعالى: " فأتوا بعشر سور مثله ".2 .
فهذا تحدي الواثق في أسرار إعجازه لمخلوقاته وهو ما أكده الباقلاني بقوله : " إن نظم القرآن مخالف في بلاغته وإعجازه لمألوف كلام العرب " 3. حيث أن التظرية وهذا القول جاء سابقا لنظرية النظم عند الجرجاني لكن لم تتمطط مفاهيم معناها كما وقع في نظرية الجرجاني بل كانت لها بذور في بيئة المتكلمين.4.
فالقرآن بنظرة العيون الجرجانية ، كما قال الجرجاني : " لا يتفه ولايتشان(أي لايبلى ولا يضعف) " حيث يقول في ص:32 من كتابه دلائل الإعجاز:" لولا أنهم حين سمعوا القرآن، وحين اتحدوا إلى معارضته،سمعوا كلاما لم يسمعوا قط مثله وأنهم قد رازوا أنفسهم فأحسنوا بالعجز بأن يأتوا بما يوازيه ويدانيه" حيث يحاول عبد القاهر الجرجاني أن يلوح لنا ما أبهرهم، هي تلك المزايا في نظمه وخصائص صادفوها في سياق لفظه وبدائع صناعته ، فنقول لما لا وهو صالح لكل زمان ومكان فمهما تطورت اللغة العربية تبقى درجاته في الرتبة والسيادة فوق كل كلام فصيح وبليغ ، فهو الموضح والشارح لكل خلاف لغوي حيث يقول الجرجاني في كتاب بلاغة العطف في القرآن لعفت الشرقاوي ص:17 :" فأما نهج القرآن ونظمه وتاليفه ووصفه فإن العقول تتيه في جهته وتحار في بحره وتضل دون وصفه" .
وهنا يحضرني قول عمر بن الخطاب :" فلما سمعت القرآن رق له قلبي ودخلني الإسلام". وقول الوليد بن المغيرة:" والله إن في قوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإنه ليعلو وما يعلى عليه" لدا يبقى خير شاهد لتفسير القرآن حينما سئل احد العلماء عنه فأجابهم هو " الدهر".
كما اعتبر الجرجاني ترابط الألفاظ في النص القرآني قوله: "تعطي هيبة تحيط بالنفس من أقطارها من حيث هي صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق بين اللفظ والمعنى في اتساق عجيب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإسراء، الآية : 88.
(2) سورة هود، الآية: 14.
(3) بلاغة العطف في القرآن الكريم لعفت الشرقاوي.
(4) لم يزل في عصرنا الحديث من يعجب بنظرية الجرجاني ويقيسها بنظرية ريتشارد في نقد الشعر، وقد بلغ من إعجاب د.محمد مندور بها أن وصفها بأنها تتفق مع أحدث ما وصل إليه علم اللغة في استخدام المنهج اللغوي ( الفيلولوجي ) في نقد النصوص / انظرالنقد المنهجي عند العرب ص: 273.
النظرية الجرجانية وعمق بلاغتها في الدلالة الإعجازية للقرآن
في رأي كثيرمن الباحثين أن عبد القاهر قد وضع لكتايبه "أسرار البلاغة " و " دلائل الإعجاز " نظرية النظم العربي التي لاتزال إلى حد كبير تسيطر على التفكير البلاغي عند كثير من المعاصرين، فقد فسر نظرية النظم وخصوصا في كتابه " دلائل الإعجاز "تفسيرا يردها فيه إلى فكرة المعاني الثانية، أو إلى المعاني التي تلتمس في تركيب الكلام، وهي فكرة كانت جديدة في ذلك الوقت، وقد يقال أن هناك ملاحظات ومصطلحات مما ذكر تناثرت في أعمال من سبقوه غير ان هذا ينبغي أن لايضللنا أنه جمع ملاحظات سابقيه وإن يكن ، فالاختلاف الجرجاني كان أدق في نقل الحملات اللفظية عن طريق المعنى وفق نسج أدبي بامتياز، ففضيلة الفصاحة والبلاغة لاتعود عند عبد القاهر الجرجاني إلى اللفظ من حيث اللفظ وإنما تعود إلى النظم وترتيب الكلام وفق ترتيب معانيه في النفس من خلال الاهتداء إلى جمال التعبير النحوي البليغ أيضا ، فملامح العبارة القرآنية في النظرية الجرجانية تهدف إلى التحليل الشكلي لامكانات التعبير في صوره المختلفة لتأكيد المناسبة بين صورة العبارة والسبيل إلى تحقيق المعنى وتأكيده في ذهن السامع ، فالفصاحة والبلاغة غايتان أوليتان في منهج عبد القاهر الجرجاني ، لأن قضية الإعجاز عنده هي قضية " إبلاغ بلاغتي" بالعثور على الصورة المثلى لتحقيق المعنى و تاكيده في ذهن السامع، وتحقيق القول في فصاحة الكلام وبلاغته عنده، هو اعتبار حال المنظوم بعضه ببعض وانه نظير الصياغة والتفويق ( الرقة وتتعدد الألوان) ، وهو ما أكده أحمد فارس صاحب الحوائب بقوله : " هذا من حيث كون الألفاظ المفردة تركب جملا وتكسى من البلاغة حللا كنسبة العريان للكاسي والظمآن إلى الحاسي ولا ينكر ذلك إلا مكابر" 1.
وهذا ما أشار إليه عبد القاهر في قوله :" إن صياغة الألفاظ وترتيبها يتطلب الأول وهو المعنى، فلا يمكن لأحد أن ينظم كلاما دون صياغته لمعناه في الذهن حتى يستقيم التوجه ، فذلك إذا وجب المعنى أن يكون أولافي النفس وجب اللفظ الدال عليه أن يكون مثله أولا في النطق "2. ومعنى هذا القول أنه قبل النظم لابد من دراسة اللفظ وأثرمعناه حسب ترتيب المعاني في النفس، وليس ضم الشيء للشيء ، وإنما ينبغي مراعاة النسج و التأليف والصياغة والبناء وما أشبه ذلك مما يوجب اعتبار الأجزاء بعضها ببعض.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) معجم لسان العرب لابن منظور ص: 5.
(2) دلائل الإعجاز لعبد القاهر الجرجاني ص: 43
شروط وجوب الفصاحة وما يجب تجنبه فيها
من شروط العلماء في اللفظ المفردة : أن تكون عذبة في النطق مألوفة في الاستعمال صحيحة في الصرف والإعراب.
والتركيب البليغ هو المفهوم عند القراءة ، اليسيرُ في النطق لدى اللسان , الخالي من التكرار.
وبعبارة أخرى : التركيب البليغ ما كان سَلِسًا عذبًا في جهاز الإرسال , وهو الفم , لَيِّنًا ولطيفًا على جهاز الاستقبال , وهو الأذن , سالكًا في أجهزة القلب والعقل والوجدان طريقه المقصود.
ولكي يقال أن الألفاظ فصيحة يجب تجنب العناصرالتالية:
● تنافر الحروف، بأن لاتكون الكلمة ثقيلة على السمع صعبة على اللسان عسيرة مثل:" الهعخع "، و"مستشزرات" .قال: امرؤ القيس:
غدائرها مسـتـشـرزات إلى العلا تضل العقاص في مثنى ومرسل.
● غرابة الاستعمال، وهي كون الكلمة غير ظاهرة المعنى، ولامألوفة الاستعمال عند العرب نحو: " تكأكأتم " ، حيث قال : عيسى بن عمروالنحوي حين وقع من حماره واجتمع عليه الناس، "ما لكم تكأكأتم علي، كتكأكئكم على ذي جنة، افرنقعوا عني".وكذلك " الفدوكس " و"الهرماس" اسمان للأسد.1
● مخالفة القياس بأن تكون الكلمة شاذة، على خلاف القانون الصرفي المستنبط من كلام العرب، نحو: "الاجلل" مخالفة للقياس، والقياس"الأجل" بالإدغام.قال: أبو النجم:
الحمـدلله العـلي الأجـــلل الواحد الفــرد القــديم الأول.
● الكراهة في السمع، بأن تكون الكلمة وحشية، تمجها الأسماع، كما تمج الأصوات المنكرة، نحو:" الجرشى" بمعنى النفس. قال: المتنبي:
مبارك الاسم أغـر اللقــب كــريم الجرشى شريف النسب.
● التعقيد اللفظي، بأن تكون الكلمات مرتبة على خلاف ترتيب المعاني. قال: المتنبي:
جفخت وهم لايجفخون بها بهم شيم على الحسب الأغر دلائــل.
و الأصل: جفخت بهم شيم دلائل على الحسب الأغر وهم لايجفخون بها.
● التعقيد المعنوي، بأن يكون التركيب خفي الدلالة على المعنى المراد بسبب إيراد اللوازم البعيدة، المحتاجة إلى إعمال الذهن، حتى يفهم المقصود.قال :عباس بن الاحنف:
سأطلب بعد الدار عنكم لتقربوا وتسكب عيناي الدموع لتجمدا.
أراد بجمود العين: الفرح والسرور الموجب لعدم البكاء.
● كثرة التكرار، بأن يكرر اللفظ الواحد، فيأتي به مرتين أو أكثر.قال: أبو الطيب المتنبي:
ولا الضعف حتى يتبع الضعف ضعفه ولا ضعف صعف الضعف بل مثله ألف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) www.islamacademy.net.
خــلاصـــة
نخلص من هذه الدراسة إلى ان العرب كثيرو الاهتمام بالفصاحة والبلاغة والبيان، وأنهم بلغوا أسمى المراتب في تذوق جماليات لغتهم وأسرارها والاستراحة إليها، فالفصاحة عندهم سمة من سمات الأداء الكلامي، وهي بقدر ما تتعلق بالمفردات والتراكيب- على تفاوت بين النقاد والبلاغيين في حضور المعنى هنا- تتعلق بالمتكلم أيضا.
فمهما قيل وماسيقال يبقى مفهوم المعنى الجامع للفصاحة والبلاغة زئبقي المسك، إلا وفق سياق يشده ويوجهه مسار تآلفي شبيه بالنظرية النظمية التي وضحت وأفادت بمساراتها البليغة عن الكثير من النصوص المركبة تركيبا خاليا من حلل السياق الجمالي، إذا نقول، لقد قدر لهذه النظرية الجرجانية، أن تلقى ما لقيت من الاهتمام والاستمرار والمتابعة على أيدي كثير من الباحثين، فقد آن الآوان معاشر الباحثين والدارسين للبحث عن مناهج جديدة تطور ماتركه السلف للخلف.
الجمعة، 1 يناير 2010
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق